Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

RTL

RTL

Add

الاخبار

latest

اعلان

(بيت ابو العز)

(بيت ابو العز) تأليف : محمد صالح عكاشه              الردفاني الحلقة الاولى: الغد الجنوبي خاص قارب فصل الشتاء على لملمة خيوطه الأخير...

(بيت ابو العز)

تأليف : محمد صالح عكاشه
             الردفاني

الحلقة الاولى:
الغد الجنوبي خاص

قارب فصل الشتاء على لملمة خيوطه الأخيرة والرحيل من عام بدى حزينا على الأسرة السعيدة التي لم تعرف الحزن منذ أن وطئت قدماها مدينة عدن لكن الأمر ليس بيد رب الأسرة السعيده هكذا ترى عائلة أبوا العز بأن أيامها كانت كلها سعادة لاتضاهيها سعادة فلا أحد عاش واقع رب الأسرة ابو العز فهو الوحيد الذي يحتفظ بذكرياته المريرة طيلة السنوات التي لم يدركها أبنائه فكل جيل قد وجد في مناخ خاص به...

كان الوقت صباحا يطل عبد الرحمن سالم ابو العز من شرفته القديمة الرائعة التي تحمل عبق التاريخ في بنايات تشهد بوجود طفرة من فن البناء المعماري في مدينة عدن، تلك كانت (حارة القاضي) أو كما يحلوا لأبناء عدن تسميتها (حافة القاضي ) هذه الحارة العريقة إحدى حارات عدن التي تمتد من شارع العيدروس جنوبا وحتى شارع الطويلة وأمامها يضطجع سوق البلدية المركزي الذي انشئ ايام الاستعمار البريطاني فهي لاتقل أصالة مثلها مثل بقية  حارات عدن القديمة ...

الساعة الثامنة من صباح الحادي والعشرون من مارس عام 1979م اليوم الأول لتقاعده الإجباري بعد أعوام حافلة بالعطاء والبذل دامت مايقارب العشرون عاما ، يراها ابو العز فترة ليست بالطويلة خاضها في العمل التربوي فيكون جزائه دسيسة ومكيدة اوقعته في التقاعد القسري في زمن يتم فيه استبعاد الكوادر القديمة  وأهمالها دونما إجلال لفترة قدموا فيها زهرة شبابهم بتفان وأخلاص ....

كان هذا هو الحدث الثاني الذي أحزنه وأوقعه فريسة الحزن بعد طعنة غادرة ممن كان يثق بهم في المدرسة الثانوية...
كان الحدث الأول قبل ستة أشهر من هذا الحدث عندما فقد عمود البيت وركيزته الأساسية زوجته وابنة عمه فاطمه منصور ابو العز ، لم ينسى ذلك اليوم الحزين حتى يأتي يوما آخر يقلب عليه المواجع..

جلس على مقعده كل صباح حيث كان يتأهب للذهاب إلى المدرسة يرتشف كوبا من الشاي ويتناول فطوره على عجل ففي نفسه الشغل الشاغل احب إليه من أي شيئ آخر انها المهنة التي أحبها ولم يمل منها طوال السنين الماضية..

مازال الوقت مبكرا انها عادته الدائمة كان يعرف جليا أين يتجه لكنه اليوم على الشرفة لم يتعود غير عمله فأين عساه سيذهب .. هاهو ضل البنايات المتوسطة الارتفاع اللاتي لايتعدى ارتفاعهن عن ثلاثة إلى أربعة طوابق ينبسط أمامه ويرتمي في أحضان البنايات المجاورة في الضفة الشرقية من الشارع. . كل شي يبعث على الملل، المعتاد قد انقضى وذهب فما عليه إلا أن يبحث عما يشغله ولو شيئا من يومه الطويل..

تطل عليه سوسن آخر العنقود المتبقي لديه في المنزل مع أخيها جمال الذي أوشك على أنها الثانوية العامة هذا العام ، وسوسن بدأت مشوار الثانوية هذا العام أيضا ، لم تكن سعيدة بحالة ابيها وهي تراه شارد الذهن في يوم لم يتعوده من قبل ، فكان بالنسبة لها الرمز الباقي في حياتها بعد رحيل امها وزواج شقيقتيها الكبيرتين مريم وبدرية ففي آخر زفة زفة بها بدرية إلى بيت زوجها في المعلا أيقنت انها ستبقى وحيدة بجوار ابيها
أما مريم فقد تزوجت من ذات البيت بيت ابي العز لكن زوجها لايرغب بحياة المدينة فأحب أن يمكث بجانب أخيه وأبيه في مزرعتهما في الضاحية الشرقية لمدينة لودر...
بقي الغائب الحاضر في نفوس الأسرة كلها رمز التفوق العائلي وفخر الاسرة الابن الثاني في العائلة الذي يحضر رسالة الدكتوراة في القانون من جامعة حلب بسوريا سيكون العام القادم بينهم إذا لم يوجد مايؤخره إلى العام الذي يليه....

تطل سوسن إلى قرب والدها على الشرفة وفي يدها فنجان من الشاي وترى ابيها شارد الذهن فتقطع عليه خلوته الحزينة ...
تناديه بصوت حزين تشاركه همه وأحزانه قائلة:
- ابي يعز علي ان أراك هكذا ( تناوله كوبا من الشاي) ليس في الأمر مايحزن فمازلت عند محبيك عملاقا يا أبي الحبيب فلاتحزن منهم...

- (يتصنع ابوها ابتسامة عريضة وكأن شيئا لايعنيه)
لا تخافي عملت بما فيه الكفاية عشرون عاما قد مضت سأرتاح من عنائها كأنما خدموني بالتقاعد القسري(ارتشف رشفة من فنجان الشاي) لدي اصدقاء كثر سأذهب إليهم كم انا في شوق للقائهم العمل ابعدني عنهم لم اجدهم إلا في الإجازات الأسبوعية والرسمية...سأذهب إليهم حالا ...

في مقهى أحمد سكران تظل الحياة لها عبق آخر حيث يتجمع الأصدقاء من كل مكان ، لاتسمع فيها الا قطع الدومينو تضرب الطاولة بنشاط من رفاق لم يعد لديهم مكانا غيرها يرتادونها من الصباح وحتى الظهيرة ثم يعودون إليها بعد صلاة العصر وأصوات اكواب الشاي والقهوة تصطك ببعضها في حركة جميلة ورشيقة من النادل المحبوب عمر هنداوي كأنما يلعب لعبة الاكروبات الجميلة في سرك راقي يعدو بحركة بهلوانية بين الطاولات والى الضفة الغربية المجاورة للمقهى دون أن تقع منه أكواب الشاي  على الارض..
ينادونه هو دونا عن البقية ليقدم الشاي أو القهوة الصباحية إلى محلات التجار المجاورة والمقابلة للمقهى..
تعود على ابتسامة عريضة يقدمها لزبائنه فلم يستطع احمد سكران أن يستغني عنه منذ فترة طويلة..

ياهنداوي ( يسمع النداء من كل مكان في الجوار يسرع حثيثا لتلبية طلباتهم فيسمع صوتا أخر يناديه من مكان أخر فيلبي رغبات الناس دونما كلل أو ملل ..
وأثنا حركته الدؤوبة والجميلة ذهابا وأيابا يعود مسرعا وفي خاطره شيئ من الكلام المنمق الذي تعود عليه زبائن المقهى..
يضع الاكواب الفارغة في المغسلة ثم يعود فينتصب أمام باب المقهى ثم يلتفت إلى الزبائن قائلا..

افرغوا طاولة الملك قد أتى ملك المقهى في غير عادته...

Keine Kommentare