المتسول الأخرس في عدن !- قصة حقيقية- الغد الجنوبي خاص في أثناء الحرب الحوثية كان يتنقل في بعض شوارع عدن رجل متسول، وسخ الثياب، كريه الرائ...
المتسول الأخرس في عدن !- قصة حقيقية-
الغد الجنوبي خاص
في أثناء الحرب الحوثية كان يتنقل في بعض شوارع عدن رجل متسول، وسخ الثياب، كريه الرائحة، وسخ الوجه واليدين حافي القدمين، أشعث شعر رأسه واللحية، وهو فوق ذلك أبكم (أخرس)، لم يكن يملك ذلك (المتسول الأخرس) سوى قميص و معطف(كوت) طويل أسود بائس ممزق قذر يلبسه صيفاً شتاءا.
وكان بعض أهل عدن الطيبين يتصدقون على ذلك ( المتسول الأخرس ) ويلاطفونه، كان عفيف النفس إلى حدّ كبير، فإن تصدّق عليه أحدهم بقطعة رغيف قبل منه، وإن تصدق عليه بعدة قطع رغيف (عشر قطع مثلا) لم يقبل، وإن أعطاه أحدهم كأس شاي قبل منه، وإن أعطاه مالاً لم يقبل، وإن أعطاه أحدهم حبه سيجارة قبل منه، وإن أعطاه باكت (20 سيجارة) لم يقبل ؛كان دائم البسمة، مشرق الوجه، مؤدباً لطيفاً مع الصغير والكبير.
لم يكن له اسم يعرف به سوى : ألمتسول الأخرس.. لم يشتكِ منه أحد، فلا آذى إنساناً، ولا اعتدى على أحد، ولا تعرض لإمرأة، ولا امتدت يده إلى مال غيره، ولا دخل إلى بناء لينام فيه، فقد كان يفترش الأرض، ويلتحف السماء.
كانت الحرب الحوثية الطاحنة ما زالت مستعرة، وكان الحديث عن ظروف الاجتياح وأخبار الناس وأحوالهم .
ودخل الجيش الحوثي الشمالي عدن ، واجتاحها من عدة محاور، ولاقى أثناء تقدمه البطيء مقاومة شرسة من أهلها الأبطال، وعانى أهل عدن من القصف الوحشي والقنص المخيف والقذائف المدمرة، واستغرق ذلك عدة أشهر، بينما كان (المتسول الأخرس) غير عابئ بكل ما يجري حوله، وكأنه يعيش في عالم آخر.
ولأن الحرب تشبه يوم القيامة {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} فلم ينفع تنبيه بعض الناس (للمتسول الأخرس) عن خطورة وصول الجيش الحوثي إلى تلك الشوارع والأزقة التي كان يتجول فيها وينام على قارعتها في عدن-خور مكسر بالتحديد جولة البط.
ومع اشتداد ضراوة الحرب ووصول طلائع الجيش الحوثي الشمالي إلى خور مكسر- عدن يئس الناس من (المتسول الأخرس)، فتركوه لشأنه، ووقف بعضهم عند زوايا الطرق وأبواب الأبنية يراقبون مصيره.
وتقدمت جحافل الجيش الحوثي الشمالي واقتربت من ( المتسول الأخرس ) عربة عسكرية مصفحة ، ترجل منها ضباط، ومعهم عدة جنود، ومن ورائهم عدة عربات مدججة بالعتاد، مليئة بالجنود.
كانت المجموعة التي اقتربت من المتسول_الأخرس يحملون بنادقهم المذخرة بالرصاص، ويضعون أصابعهم على الزناد، وهم يتلفتون بحذر شديد.
كان الجو رهيباً، مليئاً بالرعب، ورائحة الدم، ودخان البارود تنبعث من كل مكان.
تقدموا جميعاً من ( المتسول الأخرس )، وهو مستلق على الأرض، غير مبال بكل ما يجري حوله، وكأنه منتظر للقدر (القدر يقرع الباب) .
وعندما صاروا على بعد خطوتين منه انتصب قائماً، ورفع رأسه إلى الأعلى كمن يستقبل الموت سعيداً، رفع الجندي الحوثي يده نحو رأسه، وأدى التحية العسكرية (للمتسول الأخرس )، قائلاً :
باسم جيش الحوثي الشمالي أحييكم سيدي العقيد وأشكركم على تفانيكم في خدمتنا، فلولاكم ما دخلنا عدن !
رد (المتسول الأخرس) التحية بمثلها بهدوء، وعلى وجهه ذات البسمة اللطيفة، وقال مازحاً : [لقد تأخرتم قليلاً]، وصعد العربة العسكرية المصفحة وتحركت العربة المصفحة وخلفها ثلاث عربات مرافقة، تاركة في المكان كل أنواع الصدمة والذهول، وأطناناً من الأسئلة، كان بعض المواطنين قريبين من المكان، وكانوا يسمعون الحوار، وقد ترجموا الحوار، لكنهم عجزوا عن ترجمة وجوه الناس المصدومة من أهالي تلك الأحياء العدنية التي عاش فيها الجاسوس الشمالي المتسول الأخرس .
* وبالأخير أقول :
- كم متسول أخرس أليوم في بلادنا الجنوب ؟
( القصة حقيقية ! )
بقلم إبن هريش
الغد الجنوبي خاص
في أثناء الحرب الحوثية كان يتنقل في بعض شوارع عدن رجل متسول، وسخ الثياب، كريه الرائحة، وسخ الوجه واليدين حافي القدمين، أشعث شعر رأسه واللحية، وهو فوق ذلك أبكم (أخرس)، لم يكن يملك ذلك (المتسول الأخرس) سوى قميص و معطف(كوت) طويل أسود بائس ممزق قذر يلبسه صيفاً شتاءا.
وكان بعض أهل عدن الطيبين يتصدقون على ذلك ( المتسول الأخرس ) ويلاطفونه، كان عفيف النفس إلى حدّ كبير، فإن تصدّق عليه أحدهم بقطعة رغيف قبل منه، وإن تصدق عليه بعدة قطع رغيف (عشر قطع مثلا) لم يقبل، وإن أعطاه أحدهم كأس شاي قبل منه، وإن أعطاه مالاً لم يقبل، وإن أعطاه أحدهم حبه سيجارة قبل منه، وإن أعطاه باكت (20 سيجارة) لم يقبل ؛كان دائم البسمة، مشرق الوجه، مؤدباً لطيفاً مع الصغير والكبير.
لم يكن له اسم يعرف به سوى : ألمتسول الأخرس.. لم يشتكِ منه أحد، فلا آذى إنساناً، ولا اعتدى على أحد، ولا تعرض لإمرأة، ولا امتدت يده إلى مال غيره، ولا دخل إلى بناء لينام فيه، فقد كان يفترش الأرض، ويلتحف السماء.
كانت الحرب الحوثية الطاحنة ما زالت مستعرة، وكان الحديث عن ظروف الاجتياح وأخبار الناس وأحوالهم .
ودخل الجيش الحوثي الشمالي عدن ، واجتاحها من عدة محاور، ولاقى أثناء تقدمه البطيء مقاومة شرسة من أهلها الأبطال، وعانى أهل عدن من القصف الوحشي والقنص المخيف والقذائف المدمرة، واستغرق ذلك عدة أشهر، بينما كان (المتسول الأخرس) غير عابئ بكل ما يجري حوله، وكأنه يعيش في عالم آخر.
ولأن الحرب تشبه يوم القيامة {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} فلم ينفع تنبيه بعض الناس (للمتسول الأخرس) عن خطورة وصول الجيش الحوثي إلى تلك الشوارع والأزقة التي كان يتجول فيها وينام على قارعتها في عدن-خور مكسر بالتحديد جولة البط.
ومع اشتداد ضراوة الحرب ووصول طلائع الجيش الحوثي الشمالي إلى خور مكسر- عدن يئس الناس من (المتسول الأخرس)، فتركوه لشأنه، ووقف بعضهم عند زوايا الطرق وأبواب الأبنية يراقبون مصيره.
وتقدمت جحافل الجيش الحوثي الشمالي واقتربت من ( المتسول الأخرس ) عربة عسكرية مصفحة ، ترجل منها ضباط، ومعهم عدة جنود، ومن ورائهم عدة عربات مدججة بالعتاد، مليئة بالجنود.
كانت المجموعة التي اقتربت من المتسول_الأخرس يحملون بنادقهم المذخرة بالرصاص، ويضعون أصابعهم على الزناد، وهم يتلفتون بحذر شديد.
كان الجو رهيباً، مليئاً بالرعب، ورائحة الدم، ودخان البارود تنبعث من كل مكان.
تقدموا جميعاً من ( المتسول الأخرس )، وهو مستلق على الأرض، غير مبال بكل ما يجري حوله، وكأنه منتظر للقدر (القدر يقرع الباب) .
وعندما صاروا على بعد خطوتين منه انتصب قائماً، ورفع رأسه إلى الأعلى كمن يستقبل الموت سعيداً، رفع الجندي الحوثي يده نحو رأسه، وأدى التحية العسكرية (للمتسول الأخرس )، قائلاً :
باسم جيش الحوثي الشمالي أحييكم سيدي العقيد وأشكركم على تفانيكم في خدمتنا، فلولاكم ما دخلنا عدن !
رد (المتسول الأخرس) التحية بمثلها بهدوء، وعلى وجهه ذات البسمة اللطيفة، وقال مازحاً : [لقد تأخرتم قليلاً]، وصعد العربة العسكرية المصفحة وتحركت العربة المصفحة وخلفها ثلاث عربات مرافقة، تاركة في المكان كل أنواع الصدمة والذهول، وأطناناً من الأسئلة، كان بعض المواطنين قريبين من المكان، وكانوا يسمعون الحوار، وقد ترجموا الحوار، لكنهم عجزوا عن ترجمة وجوه الناس المصدومة من أهالي تلك الأحياء العدنية التي عاش فيها الجاسوس الشمالي المتسول الأخرس .
* وبالأخير أقول :
- كم متسول أخرس أليوم في بلادنا الجنوب ؟
( القصة حقيقية ! )
بقلم إبن هريش
ليست هناك تعليقات