Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

RTL

RTL

Add

الاخبار

latest

اعلان

*عندما يصبح المعلم أفقر موظفي الدولة.. فلا تسألوا عن المستقبل*

الغد الجنوبي  كتب / محمد عبدالله المارم القميشي في كل وطن، هناك معيار لا يخطئ في قياس مستقبله: انظر إلى حال معلميه، وستعرف إلى أين يتجه. إذا...



الغد الجنوبي 

كتب / محمد عبدالله المارم القميشي




في كل وطن، هناك معيار لا يخطئ في قياس مستقبله: انظر إلى حال معلميه، وستعرف إلى أين يتجه. إذا كان المعلم مكرّمًا، فالوطن يسير نحو الازدهار، وإذا كان مهمشًا، فاعلم أن المجتمع يسير نحو هاوية الجهل والانحدار.


المعلم ليس مجرد موظف يؤدي واجبًا يوميًا، بل هو الركيزة التي تُبنى عليها الأجيال، والأساس الذي تقوم عليه الحضارات. فكيف لو كان هذا الأساس هشًّا، يكافح لقوت يومه، ويصارع ظروفًا قاسية لا ترحم؟ كيف لو باتت مهنة صناعة العقول مرادفًا للفقر والعوز؟


حين ترى معلمًا يعاني، فاعلم أن الوطن قد تخلّى عن مجده، وأن المجتمع قد بدأ في فقدان بوصلته. فالمعلم ليس مجرد فرد في المجتمع، بل هو باني الحضارات، وحارس الهوية، وحامل مشعل النور في دروب الجهل. إن الدولة التي تتجاهل معلميها، إنما تهدم بنيانها بيدها، وتحفر قبر مستقبلها في صمتٍ قاتل.


ليست قوة الأوطان في جدرانها العالية، ولا في خزائنها المليئة بالذهب، ولا في عتادها، بل في عقول أبنائها التي يصنعها المعلم. حين تُهمل الدول معلميها، فإنها تفرّط في أمنها الحقيقي، لأن العلم وحده هو السلاح الذي لا يصدأ، والقوة التي لا تُهزم.


إن المدارس ليست مجرد أبنية من طوبٍ وأسمنت، بل مصانع للعقول، ومختبرات للنهضة. وما فائدة الجدران إن لم يكن داخلها فكرٌ يُنير، وعلمٌ يُغيّر؟ الأمة التي تجعل من المعلم مجرد موظف مُهمّش، تهدم أعمدة مستقبلها بيدها، وتحكم على نفسها بالبقاء في الظل.


حين يكون راتب المعلم أَقَلَّ راتبٍ فِي سُلَّمِ رَوَاتِبِ الدَّوْلَةِ، بالكاد لا يكفيه ليومين أو ثلاثة، فاعلم أن الدولة قد اختارت الجهل على العلم، والانحدار على الصعود. المعلم ليس موظفًا يؤدي مهامًا يومية، بل هو قائد يصنع العقول، ومهندسٌ يبني المستقبل.


كيف لو كانت الدولة تهمل معلميها، فهي تهدم مستقبل شعبها بيدها؟ كيف لأمة أن تزدهر ومعلموها يتسولون الاحترام قبل الحقوق؟ كيف لمجتمع أن يتقدم، وقدوته مسحوقة تحت وطأة الفقر والتجاهل؟ حين يكون المعلم عاجزًا عن تأمين أبسط احتياجاته، يصبح التعليم تجارة، وتتحول المدارس إلى مراكز للدرجات لا للعقول.


المعلم هو الشعلة التي تضيء طريق الأجيال، فإن أطفأت الدولة هذه الشعلة، غرقت في ظلام الجهل والتخلف. وحين تُكسر كرامة المعلم، لا ينهار فرد، بل تنهار أمة بأكملها.


لدينا خياران لا ثالث لهما: إما أن نجعل من المعلم ركيزة للنهوض، وإما أن نواصل سقوطنا في مستنقع التخلف. فالأمم التي احترمت معلميها، صنعت حضارتها، والأمم التي أهملتهم، أصبحت أثرًا بعد عين.


لا نهضة دون تعليم، ولا تعليم دون معلم كريم. وإذا أردنا أن نصنع مستقبلًا يستحق الفخر، فلنبدأ بصون كرامة من يصنع العقول.


الوطن الحقيقي ليس مجرد أرض وحدود…

الوطن هو عقلٌ يُفكر، وطفلٌ يقرأ، ومعلمٌ يحترق ليضيء درب الأجيال.

ليست هناك تعليقات