الغد الجنوبي بقلم/ أبو ليث الحميدي في الوجدان العسكري، يُعد أداء القسم لحظة فاصلة بين مرحلتين: ما قبل الولاء وما بعده، وليست مجرد كلمات تُن...
الغد الجنوبي
بقلم/ أبو ليث الحميدي
في الوجدان العسكري، يُعد أداء القسم لحظة فاصلة بين مرحلتين: ما قبل الولاء وما بعده، وليست مجرد كلمات تُنطق، بل هي مرآة للنية، وبوابة لعلاقة قائمة على الشرف والمسؤولية بين الإنسان ومبدأه، بين الجندي وسلاحه، بين القائد وأمانة القيادة.
في القوات المسلحة الجنوبية، يُمثل القسم العسكري جوهراً أخلاقياً وموقفاً وجودياً، لا يتغيّر بتغيّر المواقع، ولا يتأثر بتقلبات المصالح... هو التزام مستمر، لا يحده ظرف ولا يُفرّغه الزمان من مضمونه.
القسم هو التجسيد العملي للعقيدة القتالية، والعقد غير المعلن بين العسكري وقضيته، التي تتجاوز الوظيفة إلى الرسالة، وتتجاوز الخدمة إلى المصير المشترك.
لقد عبّر *الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي بدقة حين قال: "عهد الرجال للرجال"* فهي عبارة تختصر فلسفة الالتزام بمعناه النقي، حيث لا يُقاس الوفاء بما يُقال في العلن، بل بما يُمارس في الخفاء، ولا يختبر في أيام السكينة، بل في لحظات الاختبار الحقيقي.
لكن بطبيعة المسار السياسي والعسكري، لا يخلو المشهد من تحديات، فقد تظهر أحياناً صور من التذبذب أو ضعف في الرؤية؛ فيتحول القسم من عهد نقي إلى إجراء شكلي، وقد يختلط الحماس الأول بالمصالح العابرة، أو ينحرف الالتزام بفعل الضغوط أو المكاسب المؤقتة.
هذه الصور ليست بالضرورة خيانة صريحة، لكنها تشكل فجوات في جدار الثقة، ومساحات رمادية بين القول والفعل، وهي ما يجب التنبه له ومعالجته بحكمة ومسؤولية.
إن الجنوب لا يُبنى بالنيات وحدها، بل بالثبات في المواقف، والانسجام بين القسم والسلوك، والمؤسسة العسكرية، بصفتها صمام الأمان الوطني، يجب أن تظل منارة للوضوح والانضباط، خالية من ازدواجية الخطاب، نقية من شوائب التردد والانتهازية.
فمن كانت جذوره راسخة في أرض المبادئ، وثابتاً في الموقف مهما تبدلت الرياح، فمكانه في ذاكرة الجنوب وقلبه. أما من ارتبك بين الواجب والمنفعة، فعليه أن يُراجع موقعه في مسار القضية، لأن البناء الوطني لا يحتمل المراوحة ولا يُدار بعقلية الصفقة.
القسم ليس سطراً في بداية الخدمة، بل سيرة حياة، تتجدد في كل موقف، وتُختبر في كل مفترق، *ويظل عهد الرجال للرجال.*
ليست هناك تعليقات