الغد الجنوبي كتب/ أبو ليث الحميدي في لحظة غضب صادقة، خرجت حرائر الجنوب إلى الشارع، لا بحثاً عن فتنة ولا رغبة في فوضى، بل لأن المعاناة بلغت ...
الغد الجنوبي
كتب/ أبو ليث الحميدي
في لحظة غضب صادقة، خرجت حرائر الجنوب إلى الشارع، لا بحثاً عن فتنة ولا رغبة في فوضى، بل لأن المعاناة بلغت حداً لا يُطاق، ولأن سياسة التجويع المتعمد التي تمارسها أطراف في الشرعية، وعلى رأسها حزب الإصلاح، لم تترك للمواطنين سوى خيار الصراخ في وجه الظلم. فقد صار انقطاع الكهرباء والماء واقعاً يومياً لا يمكن التعايش معه في ظل حرارة قاتلة وظروف معيشية خانقة، بينما تتكدس الأموال في جيوب الفاسدين ويعبث المتنفذون بثروات الجنوب دون رقيب أو محاسبة.
لم يكن نزول النساء إلى الشارع إلا تعبيراً عن حجم الألم الذي تسببت به حكومة غارقة في الفساد والتخادم السياسي. حزب الإصلاح الذي سيطر على مفاصل القرار داخل الشرعية، لم يكتف بالتحكم في الموارد، بل مارس سياسة ممنهجة لخلق الأزمات وتفكيك الخدمات في المحافظات الجنوبية، بهدف تركيعها وكسر إرادة أبنائها. فما يحدث من انقطاعات متكررة للكهرباء والماء وغياب أبسط مقومات الحياة، ليس مجرد خلل تقني، بل خطة مدروسة تستهدف إذلال الناس ودفعهم للرضوخ تحت ضغط الحاجة.
في هذا السياق، برزت المرأة الجنوبية كصوت لا يمكن إسكاتُه، خرجت بشجاعة ورفعت علم الجنوب في وجه آلة التجويع والاستبداد، لتقول: كفى عبثاً بمصير شعب كامل، وكفى تلاعباً بمعاناة أمهات لا يجدن الماء البارد لأطفالهن، وكفى تجاهلاً لصرخات المرضى وكبار السن في ظلام دامس وجحيم لا يرحم. ووسط كل هذا الألم، وقفت قوات الأمن في موقف مشرف، حيث رافقت المظاهرة بحكمة، ووفرت لها الحماية، ورفضت الانجرار وراء محاولات التشويه أو القمع، وكانت الصورة مغايرة تماماً لما اعتاد عليه الناس في ظل أنظمة القمع القديمة.
إن حرية التعبير ليست ترفاً، بل حق أصيل لكل إنسان، والجنوب الذي قدّم الشهداء والتضحيات، لا يمكن أن يُجبر على الصمت أمام الجوع والذل والمؤامرات الرخيصة التي تُحاك في غرف الشرعية المعتمة. الجنوب لن يسكت عن سياسة التفقير التي يتزعمها حزب الإصلاح عبر أدواته الموزعة في المؤسسات المنهوبة، ولن يقبل بتحويل مطالبه العادلة إلى أوراق مساومة سياسية.
إن مظاهرة حرائر الجنوب لم تكن لحظة عاطفية عابرة، بل كانت موقفاً وطنياً عظيماً، كشف حقيقة ما يُمارس بحق هذا الشعب من جرائم اقتصادية ونفسية ممنهجة، وأعاد تسليط الضوء على من يدير معركة خفية ضد الناس بلقمة عيشهم وكرامتهم، لتبقى المعاناة وسيلة للابتزاز السياسي. لكن هذه الأرض لا تُكسر، وشعبها لا يُهزم، ونساؤها اليوم كرجالها يقفن في الصف الأول دفاعاً عن حق أبنائهن في الحياة الكريمة.
Keine Kommentare