Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

RTL

RTL

Add

الاخبار

latest

اعلان

نظرية الحصان الميت: و تطبيقها على الملف اليمني

الغد الجنوبي كتب : شكري باعلي تقول النظرية:  "إذا وجدت أنك تركب حصانًا ميتًا، فإن أفضل استراتيجية هي أن تترجل عنه." منذ انطلاق عا...



الغد الجنوبي

كتب : شكري باعلي




تقول النظرية:

 "إذا وجدت أنك تركب حصانًا ميتًا، فإن أفضل استراتيجية هي أن تترجل عنه."

منذ انطلاق عاصفة الحزم في 2015، و الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في إدارة الملف اليمني بالتماهي مع أطراف داخلية تمارس سياسة الفشل الممنهجة و الدوران في حلقة مفرغة يمكننا تسميتها بنظرية الحصان الميت ، أساسها الإصرار على إنعاش مشروع سياسي ميت: الوحدة اليمنية المقبورة منذ 7/7/94 . وتحت شعارات (بما عرف باسم مخرجات الحوار اليمني) ومرجعيات منتهية ، رُسمت سياسات لم تهدف إلى إنهاء الحرب أو إعادة الاستقرار بالقضاء على الحوثي و عودة الشرعية إلى صنعاء ، بل إلى إعادة ترميم كيان سياسي سقط فعلياً في 94 و تجاوزه الجنوبيون في 2015 بالسيطرة على أرضهم و فرض مشروعهم السياسي، الا ان تلك المحاولات في إعادة سيطرة القوى الخاسرة ما زلت مستمرة بدعم خارجي.

فبدلًا من تبني مقاربة واقعية تتعاطى مع المتغيرات على الأرض، لجأت الأطراف المشرفة على الملف إلى سلسلة من محاولات "الإصلاح الشكلي"، تمثلت في:

 تغيير الحكومات المتعاقبة (بحاح، بن دغر، معين،بن مبارك، ثم بن بريك) دون معالجة جوهرية لفشل الشرعية ومشروعها.

 نقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي في أبريل 2022، لم يكن إلا خطوة تجميلية لنظام فقد شرعيته وفعاليته.

 إعادة هيكلة مؤسسات الشرعية بشكل يخدم مراكز القوى الخارجية و التقليدية، على حساب تمثيل الجنوب الحقيقي.

 و الآن فكرة تدوير نفايات الحوار اليمني عبر الترويج للدولة الاتحادية من ستة أقاليم كحل "تلفيقي"، دون أي قاعدة شعبية أو توافق وطني حوله.

 محاولات تطويق المجلس الانتقالي الجنوبي، تارةً بالضغط العسكري، وتارةً بالإقصاء السياسي، و تارة بتفكيك الحاضنة المجتمعية له ، وأخرى عبر تحجيم دوره في المفاوضات.

ورغم هذه المحاولات، فإنها جميعًا لم تُنتج سوى مزيد من الانقسام والتدهور، في حين ظل الجنوب يُقدّم نموذجًا مستقرًا نسبيًا على المستويين الأمني والسياسي، ويعيد بناء مؤسساته وفق رؤية وطنية واضحة تقوم على استعادة دولته وهويته السياسية ما قبل عام 1990.

غير أن ما يُعيق الوصول إلى هذا الحل الجذري والبسيط — والمُجسّد فعليًا على الأرض — هو أن بعض القوى الإقليمية بالتوافق مع قوى صنعاء( على الاقل في الوقت الراهن) ترى في استعادة الجنوب لدولته تهديدًا مباشرًا لأجنداتها ومصالحها الجيوسياسية، ولذلك تُفضّل إبقاء الجنوب رهينة لمشروع الوحدة الميتة، ولو على حساب الشعب واستقرار المنطقة.

السياسة التي تمارسها إدارة الملف اليمني منذ 2015 ليست فقط تكريسًا للفشل، بل تعطيلًا متعمدًا لمسار الحل الحقيقي. لقد وُضعت العراقيل أمام الجنوبيين في كل تحول مفصلي: من استهداف القيادات، إلى إضعاف مؤسساتهم، مرورًا بإخراجهم من معادلات التفاوض، وحتى محاولات فرض صيغ دولة لا تعكس واقع ما بعد الحرب.

اليوم، وبعد مرور أكثر من تسع سنوات على عاصفة الحزم، لم تعد الأعذار تنفع، ولم يعد الوقت يسمح بالمناورة. فكل محاولة جديدة لإحياء مشروع الوحدة اليمنية، ليست سوى محاولة أخرى لركوب حصان ميت، ودفن الحقيقة تحت ركام الشعارات.

الواقع واضح: الجنوب يمتلك مشروعه، وشعبه، ومؤسساته، ولم يعد مقبولًا أن يُرهن لأوهام صنعاء ولا لأجندات العواصم. ومن لا يريد أن يترجل عن الحصان الميت، فليتحمل مسؤولية استمرار الفوضى.

وفي الختام، نقول — بوضوح لا يقبل التأويل — إن ما تواصله إدارة الملف اليمني التمسك به ليس إلا حصانًا ميتًا و شبع موتًا، لا حياة فيه ولا قدرة له على التقدّم خطوة واحدة نحو المستقبل.

الإصرار على ركوبه لا يُنتج سوى مزيد من الدوران في الفراغ، ومزيد من الكلفة السياسية والإنسانية التي يدفعها شعبنا كل يوم.

لقد آن الأوان أن يواجه القائمون على هذا الملف الحقيقة كما هي، لا كما يتمنّونها، وأن يدركوا أن تجاوز الأزمة يبدأ بالاعتراف بها، لا بإنكارها. فهل من يُفهمهم؟ وهل من يملك الشجاعة ليختصر الطريق على الجميع، ويفتح الباب أمام الحل الجذري والعادل، الذي ينتظره شعب الجنوب منذ عقود؟

ليست هناك تعليقات