بقلم سلوى الجابري الغد الجنوبي خاص تلقاني جارتي " أم عبدالله " فتبادرني على الفور بجملتها المعتادة : يابنتي أيش تشتي ...
بقلم سلوى الجابري
الغد الجنوبي خاص
تلقاني جارتي " أم عبدالله " فتبادرني على الفور بجملتها المعتادة : يابنتي أيش تشتي لك من الكتابة عن السياسة ووجع الرأس ؟! اهجعي وخلي الخلق للخالق..واللي هو فاسد فساده على نفسه وبايحاسبه ربي مش انتي او غيرك من عامة الناس بايحاسبه!.
ابتسم لطيبة وصفاء قلبها ولفلسفتها في الحياة " الفلسفة القدرية " التي ترجئ كل فعل إلى المكتوب والقضاء والقدر ..فتكتفي " أم عبدالله " في صلاتها بالابتهال والدعاء لصلاح حال البلاد والعباد فقط.. حتى كأني من فرط طيبة قلبها لا أتصورها يوما تدعو على أحد من كل هؤلاء الفاسدين المكدرين عيشتنا وعيشة اللي خلفونا ، اقتداءً بدعاء خطيب مسجد الحي القائل : اللهم احصهم عددا وأهلكم بددا ولاتغادر منهم احدا.. "يقصد اعداء الامة الإسلامية المفترضين " وليس الفاسدين من الساسة القائمين على أمر هذه الامة... ، الخطيب الذي تعدى حاجز الدعاء ل... ووصل إلى الدعوة على...إلى ان سرت سنة منبرية نسمعها كل جمعة!.
" أم عبدالله " لايقوى لسانها على لفظ دعاء من هذا النوع ، فقط تكتفي بالدعاء بصلاح البلاد والعباد وهي تتكئ على تنشئة " عبدالله ذو الثمان سنوات" ولدها الوحيد التنشئة الصالحة السليمة ، فبالرغم من دخلها المحدود إلا انها كافحت وكدت وعملت على ادخال " عبدالله " مدرسة أهلية خاصة حتى يتلقى تعليما جيدا يمكنه من دخول أفضل الجامعات وبناء مستقبله ..فهي تحلم ان يصير " عبدالله " في المستقبل طبيبا حتى يعالج ضعف قلبها الطيب وارتفاع ضغطها وهي تجري هنا وهناك وتلهج بالدعاء لربها بالشفاء وبهداية وصلاح " عبدالله " وأمة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم أجمعين.. لكنها لاتنفك كلما لقتني من اسداء نصيحتها المعتادة لي بعدم التعرض في كتابتي للفاسدين..وتقول : لاتوجعي قلبك يابنتي فطالما فساد هؤلاء لايصل إليك بشكل مباشر..دعيهم لربهم!.. وهي تنصح كعادتها..وأنا ابتسم كعادتي وأخالف.
فجأة بعد ظهيرة يوم ما كاد باب بيتنا ان ينخلع من طرق " أم عبدالله " الحامي الوطيس.. أسرعتْ أمي وهي تكاد ان تتجلط من الفزع وفتحتْ الباب فبادرتها " أم عبدالله " بالسؤال : أين سلوى ؟! هتوا لي سلوى بسرعة.. ! . سألتها أمي وهي ترتجف : خير ..خير أيش حصل ؟! وأمطرتها بالاسئلة : مالها بنتي؟ ليش تشتيها ؟ أيش سوت ؟ ..الخ . أدركت " أم عبدالله " فزع أمي وبشيء من الخجل لملمت " أم عبدالله " فزعها الذي أقتحم هدوء بيتنا وأخذت نفس عميق وقالت : لاتخافي يا أم سلوى ..سلوى ماسوت شي.. أنا الذي سويت ..وسويت نفسي الحرمه الصالحة اللي تنصح سلوى ليل نهار ان لاتكتب على الفساد والفاسدين في البلد.. تنفست أمي الصعداء وضحكت ،عقب هذا الفزع، بقوة ، ضحك من أضاع الضحك والتقى به أخيرا...وهي تجلب كوبا من الماء البارد لأم عبدالله تناديني : ياسلوى ..سلوى تعالي.. أم عبدالله تشتيك !
نزلت من خلوتي في الغرفة الفوقانية للمنزل ، وأنا أنزل الدرج إذا بأم عبدالله تفترش صالة المنزل كأنها بائع متجول جلس للتو ونثر بضاعته على الأرض..وما أن لمحتني حتى أشارت علي ان أقترب منها وهي تولول بكل دعاوي الويل والثبور على اللصوص والفاسدين في البلد!.. فقالت لي وأوصت وصية من هو على فراش الموت : اكتبي يابنتي اكتبي على الفساد والفاسدين وان استطعتي ان تذكيرهم بالاسم فاذكريهم ولا تخلي من بوهم واحد!
فتحت فمي وهززت رأسي كالبلهاء وأنا في حضرة الاندهاش من تبدل رأي أم عبدالله في ليلة وضحاها مما أكتب ولما أكتب!. بعد برهة سألتها : أيش غير رأيك يا أم عبدالله فجأة مماأكتب ؟ أيش حصل وخلاك تتنقلي من نصحي بعدم الكتابة إلى تحريضي على الكتابة ؟!
من هنا بدأت القصة وبدأت أم عبدالله تحكي وتقول:
انتي تعرفي يابنتي ان ما معي من الدنيا هذه الا "عبدالله" وتعرفي أني أكافح واجمع الريال فوق الريال من شان يدخل عبدالله مدرسة خاصة ويتعلم تعليم صح يدخله أفضل الجامعات.. والفلوس اللي اهكبها ويالله تسدد اجرة المدرسة الخاصة وجهاز عبدالله المدرسي ..أما لزوم أكل عبدالله وفطوره : أقوم أبكر من فجر الله أسوي له سندوتشات واحطهم له في شنطته وأزيد اعطيه مية ريال مصروف ، يشتري له شبس ولاطرزان ولاسكريم..إلى هنا والأمور تمام وماشيه عال العال..الان باقلك : أيش غير رأيي مماتكتبي؟
اللي حصل يابنتي أني كنت أظن ان فساد بعض المسئولين في البلد وإن كان يمس حياة الناس بصفة عامة ..إلا أني أشوفه بعيد عني ولن يمس حياتي أنا بصفة خاصة ، وعلى نهج المصري الناصح ب" امشي لك جنب الحيط ! " ومن نهج العدني القائل " مالي دخل ! " إلى نهج الحضرمي الماثل في " ماسيبي ! " كنت من محبتي لك أنصحك بعدم الكتابة على الفاسدين مادام فسادهم لايمسك ولايمسني بصورة مباشرة!.
قلت : إذن ..أيش استجد هنا بالضبط يا أم عبدالله؟!
قالت : الذي استجد ان ولدي عبدالله جمعه الحظ العاثر و دعته مساوئ الصدف إلى الجلوس على طاولة درس واحدة جنبا إلى جنب مع ابن "هامور" كبير ومسئول فاسد!
قاطعتها : أيش ذنب الولد الصغير ابن الهامور الكبير يا أم عبدالله؟.. هل ذنبه انه ابن رجل فاسد ؟!.
قالت : لحظة يابنتي لاتستعجلي الولد ماله ذنب في فساد أبوه!... بس أصل الحكاية ولبها ان هذا الأب الفاسد الهامور يغرف من ترفه المالي الجم الأتي من مال الشعب ويعطي ولده ألف ريال وأحيانا ألفين مصروف المدرسة!...أعرف أعرف ان " مالي دخل " فيما يفعله هذا الأب الفاسد " الهامور " من عملية إفساد تربوي لولده!.. كل واحد حر في ابنه أنا مالي دخل ! ..فقط ليت الأمر يتوقف عند حد إفساد الأب لولده ..ياليت بل تعداها إلى امكانية إفساد ولدي " عبدالله " فكما تعلمين ان الأولاد الصغار يغاروا من بعض ويأخذوا من خصال بعض ، فعلى سبيل المثال ولدي عبدالله قبل يومين وعلى غير العادة طلب مني ان اعطيه ألف ريال مصروف للمدرسة! ، افتجعت وقلت له : الف ريال مبلغ كبير ..لأيش تشتيه؟! قال لي : زي فلان ابن فلان ابن فلان زميلي.. أبوه يعطيه ألف ريال وأحيانا ألفين!...(فلان ابن فلان ابن فلان) هذا الاسم مر علي من قبل..وين مر علي.. وين؟! أهااا عرفت مر علي في كتابات سلوى الجابري عن الفساد والفاسدين.. المهم وبها
ولدي عبدالله وحاولت أفهمه ان مايفعله هذا الأب مع ولده غلط وان هذا المبلغ كبير على الولد وبايفسده ..لكن ماشي فايدة!..عييت ان أقنع ولدي الصغير ان مايفعله الأب مع ولده " زميلك " غلط!.
كيف أقنعه..كيف ؟ فعقله الصغير لايتحمل!.. وقلبي أنا المريض والصغير لايتحمل ..ودخلي المحدود من جهة أخرى لايتحمل...وانهمرت أم عبدالله بالبكاء وهي تؤكد ان لا احد بمنائ عن فساد هؤلاء الفاسدين .. فهو كالموت يدرككم ولو كنتم في بروج مشيدة.. انتهت قصة أم عبدالله ولم تنتهي بعد قصة الفساد والفاسدين في هذا البلد!.
..........
بقلم : سلوى الجابري
ليست هناك تعليقات